1- محاكم التفتيش :
من موسوعة قصة الحضارة وتحت عنوان محكمة التفتيش , جاءت صفحات تبين الإرهاب الفكري الفكري الذي مارسته الكنيسة الكاثوليكية للمسيحيين , فلم تحارب محاكم التفتيش الأوروبية المرتد فقط , بل حاكمت كل من يفكر في الدين أو يتناقش في أمر من أمور العقيدة فأطلقت عليه وصف مهرطق وأسلمته إلى القتل حرقا" , وإن اعترف يتم تخفيف الحكم عليه بأن يشنق قبل أن يحرق .
وفي نفس الصفحات المفزعة لتاريخ المسيحية , نقرأ عن إضطهاد اليهود وتخييرهم بين الدخول في المسيحية أو الطرد من أسبانيا , ثم نقرأ عن التعميد بالإكراه , ثم عن اختطاف أطفال اليهود وعزلهم في جزر منعزلة لتنشئتهم مسيحيين , ثم إضهاد المسلمين وتخييرهم بين التعميد أو الرحيل مع منعهم من اصطحاب أطفالهم في حالة رحيلهم بل يتم تعميد الأطفال لينشئوا عبادا" للمسيح عليه السلام .
والأحداث لن نستخرجها من كتاب يهودي أو إسلامي بل هي من كتاب تاريخ مسيحي لمؤرخ حظى باحترام وثقة كل العالم بكتابتة لتاريخ البشرية حتى القرن التاسع عشر .
سنترك الموضوع بدون تعليق , وأمام القارئ الكريم جزء من شهادة التاريخ عن المحبة الدامية مع العلم أننا قمنا بحذف فقرات بين النصوص لا تمت للموضوع سلبا" أو إيجابا" من أجل الاختصار ( مثال لذلك وصف الكاتب للأثار والمباني في مدينة لحظة دخول القوات المحاربة لها ) , كذلك قمنا باختصار بعض الفقرات بحذف جمل كاملة لا تؤثر في الموضوع بل تستفيض في شرح يكفي القليل منه ( مثال لذلك الوصف التفصيلي لمذبحة سان بارتيملي وأسماء الأشخاص وكيف تم طعن قاائد البروتستانت وغيرها... ) . ولم نتدخل في تركيب أي جملة بل تركنا الجمل على حالتها بأسلوب الترجمة العربية.
من موسوعة قصة الحضارة :
انتشر مبدأ محكمة التفتيش في يسر بين الأشخاص الذين لم تتأثر مذاهبهم الدينية بالتعليم والرحلة، والذين كانت عقولهم أكثر خضوعاً لحكم العادة والخيال. واعتقد جميع مسيحي القرون الوسطى تقريباً عن طريق تعليمهم في الطفولة والوسط الذي عاشوا فيه بأن الكتاب المقدس من وحي اللّه بكل لفظ فيه، وأن ابن اللّه قد أنشأ الكنيسة المسيحية مباشرة. وبدا أنه ينتج عن هذه المقدمات أن اللّه يريد أن تكون جميع الأمم مسيحية وأن الإيمان بديانات غير مسيحية يعد كبيرة في حق اللّه. يضاف إلى ذلك، أنه ما دامت كل هرطقة مادية تؤدي بالضرورة إلى عقاب أبدي فإن المختصين منها قد يعتقدون أنهم بإرهاق روح هرطيق، إنما ينقذون الهدى الكامن فيه وربما أنفذوه هو نفسه من الجحيم الأبدي.
وشرعت محكمة التفتيش القوانين والإجراءات الخاصة بها. وكانت قبل أن تقيم قضاتها في مدينة من المدن تذيع في الشعب عن طريق منابر الكنائس منشوراً دينياً "يطالب كل من له علم بهرطقة أن يكشف عنها لرجال التفتيش. وشجع كل امرئ على أن يكون شاهدا، ليبلغ عن جيرانه وأصدقائه وأقاربه. ولم يكن يسمح في القرن السادس عشر مع ذلك باتهام الأقربين ووعد المبلغون بالسرية الخالصة والحماية التامة، وأوقع حرم صارم- أي حرمان ولعنة- على هؤلاء الذين يعرفون هرطيقاً ويخفونه. فإن ظل يهودي معمد يأمل في عودة المسيح، وإذا حافظ على قواعد الطعام التي في الشريعة الموسوية وإذا اعتبر السبت يوم عطلة وعبادة أو غير ملابسه لذلك اليوم، وإذا احتفل بأي وجه من الوجوه بيوم من أعياد اليهود، وإذا ختن أي واحد من أطفاله أو أسماه باسم عبري، أو باركهم دون أن تقوم بعلامة الصليب، وإذا صلى بحركات رأسه أو ردد مزموراً من مزامير الكتاب المقدس دون أن يضيف تمجيد الله في الأعالي، وإذا اتجه بوجهه إلى الحائط وهو يحتضر، فإذا فعل هذا وأمثاله، كانت عند رجال التفتيش من الشواهد على الهرطقة السرية التي لابد من إبلاغها إلى المحكمة فوراً. ولكل من يشعر بأنه اقترف هرطقة فله في خلال "مهلة صفح" أن يأتي إلى المحكمة ويعترف بها، فيحكم عليه بغرامة أو تفرض عليه كفارة ويصفح عنه بشرط أن يكشف عن كل ما يعرفه عن هراطقة آخرين.
ويلوح أن قضاة محكمة التفتيش كانوا يفصحون بعناية القرائن التي جمعها المبلغون والمحققون. حتى إذا اقتنعت المحكمة بالإجماع بإدانة شخص من الأشخاص فأنها تصدر أمراً بالقبض عليه. ويتحفظ على المقبوض عليه في سجن انفرداي، حيث لا يسمح لغير عملاء محكمة التفتيش بالتحدث إليه، ولا يزوره أحد من أقربائه. وكان يقيد بالسلاسل عادة. ويطلب إليه أن يستحضر معه فراشه وملابسه، وأن يدفع جميع نفقات محبسه وطعامه. فإذا لم يقدم المال الكافي لهذا الغرض فإنه يباع القدر المناسب من متاعه ليفي بالمبلغ المطلوب.
ولم يكن يخبر المتهم أولا عن التهم الموجهة ضده، وإنما يستدعى لمجرد الاعتراف بتقصيره كما تقضى بذلك العقيدة والعبادة الصحيحتان وأن يشي بكل الأشخاص الذين يتهمون بالهرطقة. فإن أقنع اعترافه المحكمة فقد يصدر عليه حكم غير الإعدام، وإذا أبى الاعتراف سمح له باختيار محامين للدفاع عنه، ويتحفظ عليه في الوقت نفسه في سكن انفرادي. وفي كثير من الأحوال كان يعذب ليكره على الاعتراف وتستمر القضية عادة شهوراً، ويكفي التقييد بالسلاسل في السجن الانفرادي غالباً للحصول على أي اعتراف.
ولم يكن يلجأ إلى التعذيب إلا بعد أن يقترع عليه أغلبية قضاة المحكمة على أساس أن الذنب محتمل، وإن كانت القرائن لا تقطع به. ويؤجل التعذيب الذي يحكم به على هذا النحو غالباً على أمل أن الفزع منه يدفع إلى الاعتراف ويبدو أن قضاة التفتيش اعتقدوا بإخلاص أن التعذيب خدمة للمدافع عن نفسه وهو الذي سبق أن عد مذنباً، فقد يكسبه بالاعتراف عقاباً أخف، بل أنه إذا حكم بإعدامه بعد اعترافه يحصل من قسيس على المغفرة تنجيه من الجحيم؛ ومع ذلك، لم يكن الاعتراف بالذنب كافياً، فقد يلجأ إلى التعذيب مع مدافع عن نفسه لإكراهه على ذكر شركائه في الهرطقة أو الجريمة. وربما عذب الشهود المتناقضون للكشف عمن يذكر الحقيقة منهم؛ وقد يعذب العبيد ليقيموا الدليل على ساداتهم. ولم يكن هناك حد في السن ينقذ الضحايا، ذلك أن فتيات في الثالثة عشرة ونسوة في الثمانين قد ألزمن العذراء ( العذراء هي وسيلة تعذيب ).
وكانت العقوبة القصوى هي الإحراق في المحرقة. وهي للذين حكم عليهم بأنهم اقترفوا هرطقة عظيمة، ولم يعترفوا قبل بدء المحاكمة، ولأولئك الذين اعترفوا في الوقت المناسب وخففت عنهم عقوبتهم أو صفح عنها ولكنهم ارتدوا إلى الهرطقة.
...وإذا لم يعترف إلا بعد صدور الحكم عليه، فإنه يغنم الرحمة بشنقه قبل إحراقه، ولما كانت الاعترافات في اللحظة الأخيرة كثيرة، فقد أصبح إحراق الأحياء نادراً نسبياً، أما الذين يحكم عليهم بالهراطقة الكبيرة، وينكرون ذلك إلى النهاية، يحرمون من الكنيسة المقدسة، ويتركون برغبة محكمة التفتيش للجحيم الأبدي.
عين فرديناند وإيزابلا القضاة الأوائل لمحكمة التفتيش في سبتمبر من عام 1480، لمنطقة إشبيلية. .... واحتفل بأول محرقة أثمرتها محكمة التفتيش الإسبانية في السادس من فبراير لعام 1481 بإحراق ستة من الرجال والنساء. وما أن جاء الرابع من نوفمبر للعام نفسه، حتى كان قد أحرق ثمانية وتسعون ومائتا شخص وسجن مدى الحياة تسعة وسبعون شخصاً.
كم بلغت كثرة الضحايا ؟ قدر ليورنت . بأنهم بلغوا بين عامي 1480 و 1488 ثمانية آلاف وثمانمائة أحرقوا، وستة وتسعين ألفا وأربعمائة وتسعين عوقبوا، وبين عامي 1480- 1508 بواحد وثلاثين ألفا وتسعمائة وأثنى عشر أحرقوا ومائتين وواحد وتسعين ألفا وأربعمائة وأربعة وتسعين حكم عليهم بعقوبات صارمة، وكانت هذه الأرقام في معظمها تخمينية. ويرفضها اليوم بصفة عامة المؤرخون البروتستنت ويعدونها تطرفا في المبالغة، يذهب مؤرخ كاثوليكي إلى أنه قد أحرق ألفان بين عامي 1480و1504، وألفان آخران حتى سنة 1758. وأحصى كاتب سر إيزابلا واسمه هرناندو ده بولجر عدد الذين أحرقوا، بألفين قبل عام 1490 وفاخر ذوريتا أمين محكمة التفتيش بأنها أحرقت أربعة آلاف في إشبيلية وحدها هناك ضحايا في معظم المدن الأسبانية، بل في الإمارات التابعة لأسبانيا مثل البليار وسردينيا وصقلية والأراضي الواطئة وأمريكا.
ونقص معدل الإحراق بعد عام 1500. ولا تصور الإحصائيات أياً كانت الفزع الذي عاش فيه العقل الأسباني في تلك الأيام والليالي.
كان الغرض من محكمة التفتيش أن ترهب جميع المسيحيين المحدثين والقدامى على السواء ليتمسكوا بالسنة الظاهرة على الأقل، على أمل أن يقضى على الهراطقة في مهدها وأن الجيل الثاني أو الثالث من اليهود المعمدين سوف ينسون يهودية أسلافهم. ولم تكن هناك نية للسماح لليهود المعمدين أن يرحلوا عن إسبانيا، فلما حاولوا الهجرة حرمها عليهم فرديناند ومحكمة التفتيش ولكن ماذا كان مصير اليهود غير المعمدين؟ لقد ظل حوالي مائتين وخمسة وثلاثين ألفاً منهم في إسبانيا المسيحية. فكيف السبيل إلى تحقيق الوحدة الدينية للدولة، إذا سمح لهؤلاء أن يمارسوا شعائر عقيدتهم وأن يصرحوا بها؟ ورأى توركيمادا استحالة ذلك، وأوصى بإكراههم على التنصر أو نفيهم.